المحكمة الدستورية العليا المصرية

 

قضية رقم 15 لسنة 14 قضائية المحكمة الدستورية العليا "دستورية"

 مبادئ الحكم: حق التقاضي - حق الدفاع - دستور - دعوى دستورية - سلطة المشرع - قانون - نقابات

نص الحكم
باسم الشعب

المحكمة الدستورية العليا

بالجلسة العلنية المنعقدة يوم 15 مايو سنة 1993 م

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر

رئيس المحكمة

والسادة المستشارين/ فاروق عبد الرحيم غنيم وعبد الرحمن نصير وسامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله

أعضاء

 وحضور السيد المستشار/ محمد خيري طه عبد المطلب

رئيس هيئة المفوضين

وحضور السيد/ رأفت محمد عبد الواحد

أمين السر 

أصدرت الحكم الآتي

في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 15 لسنة 14 قضائية "دستورية".

الإجراءات

بتاريخ 16 من مايو سنة 1992 أودع وكيل المدعي نص صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة طالبا الحكم بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 84 لسنة 1976 - المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 1984 - بإنشاء نقابة مصممي الفنون التطبيقية.

وقدمت هيئة قضايا الدولة، مذكرة طلبت في ختامها الحكم برفض الدعوى.

وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.

ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.

حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن المدعي كان أحد المرشحين لمنصب نقيب مصممي الفنون التطبيقية في الانتخابات المعقودة لاختياره، وأقام الدعوى رقم 1084 لسنة 45 "قضائية" أمام محكمة القضاء الإداري طعنا على نتيجتها فيما أسفرت عنه من فوز منافسة المدعى عليه الأخير، طالبا الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء انتخابه. وأثناء نظر الدعوى، وإثر دفع من المدعى عليه الأخير بعدم قبولها لرفعها بعد الميعاد، ودون توافر نصابها من المدعين وفق ما قررته الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 84 لسنة 1976 بإنشاء نقابة مصممي الفنون التطبيقية، دفع المدعى بعدم دستورية نص الفقرة المذكورة، وأقام الدعوى الماثلة بعد أن صرحت له محكمة الموضوع باتخاذ إجراءات رفعها.

وحيث إن الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 84 لسنة 1976 بإنشاء نقابة مصممي الفنون التطبيقية المعدل بالقانون رقم 8 لسنة 1984 تجيز لوزير الصناعة الطعن في صحة انعقاد الجمعية العمومية أو قراراتها، أو في انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة المكملين، وذلك بتقرير يودع قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إبلاغه بقرارات الجمعية العمومية أو بنتيجة الانتخاب.

أما الفقرة الثانية من المادة المشار إليها - وهي النص التشريعي المطعون فيه - فإنها تنص على ما يأتي: "كما يجوز لمائة عضو على الأقل ممن حضروا الجمعية العمومية الطعن أمام المحكمة المذكورة في تلك القرارات، وفي صحة انعقاد الجمعية، وفي انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة المكملين خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاد الجمعية العمومية، وذلك بتقرير مسبب ومصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة، وإلا كان الطعن غير مقبول شكلا".

كما استلزمت الفقرة الثالثة من تلك المادة أن تفصل محكمة القضاء الإداري في الطعن على وجه الاستعجال في جلسة غير علنية، وذلك بعد سماع رأي هيئة قضايا الدولة، وأقوال النقيب أو من ينوب عنه، وأحد الأعضاء من مقدمي الطعن أو ممن يمثله. وقضت فقرتها الرابعة بأن يصدر الحكم في الطعن في جلسة علنية.

وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة، وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية، مناطها - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم في المسألة الدستورية لازما للفصل في الطلبات المرتبطة بها المطروحة أمام محكمة الموضوع، بما مؤداه أن شرط المصلحة الشخصية المباشرة يعتبر متصلا بالحق في الدعوى، ومرتبطا بالخصم الذي أثار المسألة الدستورية وليس بهذه المسألة في ذاتها منظورا إليها بصفة مجردة. وبذلك يكون شرط المصلحة الشخصية المباشرة مبلورا فكرة الخصومة في الدعوى الدستورية، محددا نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها، ومنفصلا دوما عن مطابقة النص التشريعي المطعون عليه لأحكام الدستور أو مخالفته لضوابطه، ومستلزما أبدا أن يكون الحكم الصادر في المسألة الدستورية موطئا للفصل في مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة في الدعوى الموضوعية. إذ كان ذلك، وكان النزاع في الدعوى الموضوعية يدور في جوهره حول صحة أو بطلان انتخاب المدعى عليه الأخير لمنصب نقيب مصممي الفنون التطبيقية - والذي كان المدعي أحد المرشحين له - فإن نطاق المسألة الدستورية التي تدعى هذه المحكمة للفصل فيها - في الدعوى الماثلة - يتحدد على ضوء ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة 19 سالفة البيان من أحكام تتعلق بالطعن على انتخاب النقيب، ولا يمتد إلى أجزائها الأخرى.

وحيث إن المدعي ينعى على النص التشريعي المطعون فيه تعويقه لحق التقاضي، وإخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون فيما اشترطه من نصاب للطعن على انتخاب النقيب، وتصديق على الإمضاءات الموقع بها على التقرير به، وتقريره ميعادا أقل من الميعاد المقرر لدعوى الإلغاء.

وحيث إن هذا النعي سديد في جوهره، ذلك أن الدستور - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قد أفرد بابه الرابع للقواعد التي صاغها في مجال سيادة القانون، وهي قواعد تتكامل فيما بينهما ويندرج تحتها نص المادة 68 التي كفل بها حق التقاضي للناس كافة، دالا بذلك على أن التزام الدولة بضمان هذا الحق هو فرع من واجبها في الخضوع للقانون، ومؤكدا بمضمونه جانبا من أبعاد سيادة القانون التي جعلها أساسا للحكم في الدولة على ما تنص عليه المادتان 64 و65 منه. وإذ كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات، فقد أضحى لازما - وحق التقاضي هو المدخل إلى هذه الحماية - أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح في الدستور كي لا تكون الحقوق والحريات التي نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها، بل معززة بها لضمان فعاليتها.

وحيث إنه إذ كان ذلك، وكان الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقا لنص المادة 68 من الدستور يقتضيها تمكين كل متقاض من النفاذ إلى القضاء نفاذا ميسرا لا تثقله أعباء مالية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية، وكان هذا النفاذ - بما يعنيه من حق كل فرد في اللجوء إلى القضاء، وأن أبوابه المختلفة غير موصدة في وجه من يلوذ بها، وأن الطريق إليها معبد قانونا - لا يعدو أن يكون حلقة في حق التقاضي تكملها حلقتان أخريان لا يستقيم بدونهما هذا الحق، ولا يكتمل وجوده في غيبة إحداهما. ذلك أن قيام الحق في النفاذ إلى القضاء لا يدل بذاته ولزوما على أن الفصل في الحقوق التي تقام الدعوى لطلبها موكول إلى أيد أمينة عليها تتوافر لديها - ووفقا للنظم المعمول بها أمامها - كل ضمانة تقتضيها إدارة العدالة إدارة فعالة، بما مؤداه أن الحلقة الوسطى في حق التقاضي هي تلك التي تعكس حيدة المحكمة واستقلالها، وحصانة أعضائها، والأسس الموضوعية لضماناتها العملية، وهي بذلك تكفل بتكاملها المقاييس المعاصرة التي توفر لكل شخص حقا متكاملا ومتكافئا مع غيره، في محاكمة منصفة وعلنية تقوم عليها محكمة مستقلة محايدة ينشئها القانون، تتولى الفصل - خلال مدة معقولة - في حقوقه والتزاماته المدنية أو في التهمة الجنائية الموجهة إليه، ويتمكن في كنفها من عرض دعواه وتحقيق دفاعه ومواجهة أدلة خصومه ردا وتعقيبا في إطار من الفرص المتكافئة، وبمراعاة أن تشكيل المحكمة، وأسس تنظيمها، وطبيعة القواعد الموضوعية والإجرائية المعمول بها في نطاقها، وكيفية تطبيقها من الناحية العملية، هي التي تحدد لتلك الحلقة الوسطى ملامحها الرئيسية. إذ كان ما تقدم، وكان حق التقاضي لا تكتمل مقوماته أو يبلغ غايته ما لم توفر الدولة للخصومة في نهاية مطافها حلا منصفا يمثل التسوية التي يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها بوصفها الترضية القضائية التي يسعى إليها لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها، فإن هذه الترضية - وبافتراض مشروعيتها واتساقها من أحكام الدستور - تندمج في الحق في التقاضي باعتبارها الحلقة الأخيرة فيه، ولارتباطها بالغاية النهائية المقصودة منه برابطة وثيقة. ذلك أن الخصومة القضائية لا تقام للدفاع عن مصلحة نظرية لا تتمحض عنها فائدة عملية، وإنما غايتها اقتضاء منفعة يقرها القانون، وتتحدد على ضوئها حقيقة المسألة المتنازع عليها بين أطرافها وحكم القانون بشأنها. واندماج هذه الترضية في الحق في التقاضي، مؤداه أنها تعتبر من مكوناته، ولا سبيل إلى فصلها عنه، وإلا فقد هذا الحق مغزاه وآل سرابا.

وحيث إن الدستور بما نص عليه في المادة 68 منه من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته، هو حق للناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال اللجوء إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية. وقد حرص الدستور على ضمان إعمال هذا الحق في محتواه المقرر دستوريا بما لا يجوز معه قصر مباشرته على فئة دون أخرى، أو إجازته في حالة بذاتها دون سواها، أو إرهاقه بعوائق منافية لطبيعته، لضمان أن يكون النفاذ إليه حقا لكل من يلوذ به، غير مقيد في ذلك إلا بالقيود التي يقتضيها تنظيمه، والتي لا يجوز بحال أن تصل في مداها إلى حد مصادرته. وبذلك يكون الدستور قد كفل الحق في الدعوى لكل مواطن، وعزز هذا الحق بضماناته التي تحول دون الانتقاص منه، وأقامه أصلا للدفاع عن مصالحهم الذاتية وصونها من العدوان عليها، وجعل المواطنين سواء في الارتكان إليه، بما مؤداه أن غلق أبوابه دون أحدهم إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس الإخلال بالحقوق التي يدعيها. وهي بعد حقوق تحركها مصلحته الشخصية المباشرة، ولا تحول دون طلبها الطبيعة العينية للدعوى الدستورية التي تقوم في جوهرها على مقابلة النصوص التشريعية المطعون عليها بأحكام الدستور تحريا لتطابقها معها إعلاء للشرعية الدستورية، ذلك أن هذه العينية - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - لا تفيد لزوما التحلل في شأنها من شرط المصلحة الشخصية المباشرة، أو أن هذا الشرط يعتبر منفكا عنها غير مرتبط بها. كذلك فإن حق كل مواطن في الدفاع عن حقوقه الذاتية، لا ينال منه ما هو مقرر من أن لكل نقابة منشأة وفقا للقانون - وبوصفها شخصا معنويا - الحق في أن تقيم استقلالا عن أعضائها الدعاوى المتعلقة بالدفاع عن مصالحهم في مجموعها. ذلك أن المصالح الجماعية التي تحميها النقابة لا تعتبر منصرفة إلى عضو معين من أعضائها، أو متعلقة بفئة من بينهم دون سواها، وإنما مناطها صون الأغراض التي تقوم عليها النقابة وحماية أهدافها. ومن ثم لا تخل هذه المصالح الجماعية بالمصالح الفردية لكل عضو من أعضائها. ولا يجوز أن تحول دونه والدفاع عن مركزه القانوني الخاص أو حقوقه الذاتية والتي أثر فيها النص التشريعي المطعون فيه تأثيرا مباشرا.

وحيث إن النص التشريعي المطعون فيه قد تضمن قيدين خطيرين يعصفان بحق عضو النقابة في الطعن في انتخاب نقيبها، أولهما إيجابه أن يكون الطعن في انتخابه مقدما من مائة عضو على الأقل من أعضاء النقابة ممن حضروا جمعيتها العمومية، وثانيهما أن يكون الطعن بتقرير مصدق على الإمضاءات الموقع بها عليه من الجهة المختصة، وقد قرن المشرع هذين القيدين بجزاء رتبه على تخلف أحدهما أو كليهما، هو اعتبار الطعن غير مقبول "بقوة القانون".

وحيث إنه عن القيد الأول الذي تضمنه النص التشريعي المطعون فيه، فإن حقيقة الأمر فيه أنه لا يعتبر تنظيما لحق النقابة في الدفاع عن المصالح الجماعية لأعضائها. ولا يتوخى من جهة أخرى تأمين المصالح الذاتية لكل متقاض من بينهم يكون هذا النص - بتطبيقه عليه - قد أخل بأحد الحقوق التي كفلها الدستور له، ملحقا به على هذا النحو ضررا مباشرا. وآية ذلك أن المصالح الجماعية لا تحميها إلا النقابة ذاتها بوصفها شخصا معنويا مستقلا عن أعضائها. كذلك فإن المصالح الذاتية لا يكفلها إلا أصحابها من خلال ضمان حقهم في اللجوء إلى القضاء، والنفاذ إليه نفاذا ميسرا لا تثقله أعباء مادية، ولا تحول دونه عوائق إجرائية جوهرية. ولا كذلك النص التشريعي المطعون فيه، إذ أهدر المصلحة الذاتية لكل عضو من أعضاء النقابة في ضمان أن يكون النقيب منتخبا وفقا للدستور والقانون، وفي إطار قواعدهما، لضمان أن يباشر مهامه مستندا في ذلك إلى أغلبية تكون قد أولته ثقتها اطمئنانا إليه. وهي في كل حال أغلبية تمثل القاعدة الأعرض التي منحته تأييدها وقوفا إلى جانبه ودفاعا عن برامجه وتوجهاته التي أدار حملته الانتخابية على ضوئها. ومن ثم تكون شرعية انتخابه انتصافا للديمقراطية وانحيازا لجوهرها في دائرة العمل النقابي، وموطئا لتحقيق المصالح المشروعة التي تسعى النقابة إلى بلوغها، بما مؤداه أن لكل عضو من أعضاء النقابة مصلحة محققة في إرساء هذه الشرعية تثبيتا لها، وتعميقا لمجال تطبيقها، سواء في ذلك من كان منهم مرشحا لمنصب النقيب متزاحما معه في الفوز به، أم كان غير منافس له في الظفر بمقعده. وهذه المصلحة الشخصية الذاتية لكل عضو من أعضاء النقابة، هي التي كان يتعين على المشرع أن يدخلها في اعتباره في مجال تنظيمه لحق الطعن في انتخاب نقيبها بما لا يعطلها، ولكنه آثر أن يعمل على نقيضها، وأن يسقطها كلية متجاوزا عنها، ذلك أن إيجابه أن يكون الطعن مقدما من مائة عضو على الأقل من أعضاء النقابة ممن حضروا جمعيتها العمومية، يفترض توافق مصالحهم في الطعن لإبطال انتخاب نقيبها، وأن كلمتهم منعقدة على افتقار فوزه بمنصبه إلى الشرعية في كامل أبعادها، وهو افتراض قد لا يظاهره واقع الحال. وحقيقة مرماه بل وغايته النهائية، هي أن يكون الطعن بالقيود الإجرائية التي أحاطته أكثر عسرا وأبهظ مشقة. وليس ذلك إلا إعناتا بما لكل مواطن من حق يتكافأ فيه مع غيره في اللجوء إلى القضاء، وينحدر بالنفاذ إليه إلى مرتبة الحقوق محدودة الأهمية التي يجوز الانتقاص منها.

ولا ينال مما تقدم، قالة أن ما تطلبه النص المطعون فيه من أن يكون الطعن مقدما من مائة عضو من أعضاء النقابة، لا يعدو أن يكون إعمالا للديمقراطية وتعميقا لفحواها تطبيقا للمادة 56 من الدستور التي تنص على أن إنشاء النقابات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون، ذلك أن ما قصد إليه الدستور من ذلك النص هو ضمان حق أعضاء النقابة في صياغة أنظمتها وبرامجها وتنظيم إدارتها وأوجه نشاطها واختيار ممثليها في حرية تامة. وتلك هي الديمقراطية النقابية التي تكفل حرية النقاش والحوار في آفاق مفتوحة تتكافأ الفرص من خلالها وتتعدد معها الآراء وتتباين داخل النقابة الواحدة إثراء لحرية الإبداع والأمل والخيال - وهي أدوات التقدم -  ليعكس القرار فيها الحقيقة التي بلورتها الآراء المتعددة من خلال مقابلتها ببعض وقوفا على ما يكون منها زائفا أو محققا لمصلحة مبتغاه، وعلى تقدير أن النتائج الصائبة هي حصيلة الموازنة بين آراء متعددة جرى التعبير عنها في حرية كاملة، وأنها في كل حال لا تمثل انتقاء لحلول بذواتها تستقل الأقلية بتقديرها وتفرضها عنوة. كذلك فإن الديمقراطية النقابية في محتواها المقرر دستوريا لازمها أن يكون الفوز داخل النقابة بمناصيها المختلفة - على تباين مستوياتها وأيا كان موقعها - مرتبطا بإرادة أعضائها الحرة الواعية، وبمراعاة أن يكون لكل عضو من أعضائها الفرص ذاتها التي يؤثر بها - متكافئا في ذلك مع غيره - في تشكيل السياسة العامة لنقابته، وبناء تنظيماتها المتعددة، وفاء بأهدافها، وضمانا لتقدمها في مختلف الشئون التي تقوم عليها. وبذلك يتحدد المضمون الحق لنص المادة 56 من الدستور التي لا تكفل الحرية النقابية لفئة بذاتها داخل النقابة الواحدة ولا تقرر أفضلية لبعض أعضائها على بعض في أي شأن يتعلق بممارستها ولا تفرض سيطرة لجماعة من بينهم على غيرها، لضمان أن يظل العمل الوطني قويما وجماعيا في واحد من أدق مجالاته وأكثرها خطرا.

وحيث إن النص التشريعي المطعون فيه لم يقف في مجال تقييده لحق الطعن في انتخاب النقيب عند حد إيجابه أن يكن الطعن مقدما من عدد لا يقل عن مائة عضو من أعضاء النقابة ممن حضروا جمعيتها العمومية، وإنما جاوز ذلك إلى فرض شرط آخر يتعين بمقتضاه أن تكون توقيعاتهم على تقرير الطعن مصدقا عليها من الجهة المختصة، كاشفا بذلك عن أن غايته من إيراد هذين القيدين هي إرهاق حق اللجوء إلى القضاء في هذا النطاق بما قد يصد عن ممارسته. وليس ذلك تنظيما لحق التقاضي بل هو تعطيل لدوره وحد من فعاليته، وتدخل من المشرع في المهام التي تقوم عليها السلطة القضائية ممثلة في محاكمها المختلفة التي تتولى الفصل في الخصومات المعروضة عليها، وتتحقق في إطار وظيفتها من صفات المتنازعين أمامها إذا بدا لها ما يريبها.

وحيث إنه إذ كان ما تقدم، وكان النص المطعون فيه بإيراده لهذين الشرطين قد مايز - في مجال ممارسة حق الطعن القضائي - بين المواطنين المتكافئة مراكزهم القانونية، دون أن يستند في هذا التمييز إلى أسس موضوعية، فإنه يكون بذلك قد أخل بالمادتين 40 و68 من الدستور.

وحيث إن المدعي ينعى كذلك على النص التشريعي المطعون فيه إعاقته حق التقاضي، وذلك بما قرره هذا النص من أن يكون الطعن في انتخاب النقيب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاد الجمعية العمومية وإلا كان الطعن غير مقبول.

وحيث إن هذا النعي مردود بأن الأصل في سلطة المشرع في موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية، ما لم يقيدها الدستور بضوابط معينة تكون حدا لها يحول دون إطلاقها. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه ليس ثمة تناقض بين حق التقاضي كحق دستوري أصيل، وبين تنظيمه تشريعيا بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره. إذ كان ذلك، وكان النص المطعون فيه - فيما قرره من ميعاد يسقط فواته الحق في الطعن في انتخاب النقيب - لا ينال من ولاية القضاء. ولا يعزل محكمة القضاء الإداري عن نظر منازعة معينة مما تختص به، وكان هذا الميعاد لا يعدو أن يكون حدا زمنيا لإجراء عمل معين، فإن التقيد به - وباعتباره شكلا جوهريا في التقاضي تغيا به المشرع تنظيم الحق في الطعن بما لا مخالفة فيه للدستور - يكون محققا لمصلحة عامة هدفها تنظيم التداعي في المسائل التي تناولها النص المطعون فيه خلال الموعد الذي حدده. ولا يعتبر منطويا بالتالي على مصادره للحق في الدعوى، بل يظل هذا الحق قائما متاحا ما بقي ميعاد رفعها مفتوحا.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 19 من القانون رقم 84 لسنة 1976 بإنشاء نقابة مصممي الفنون التطبيقية وذلك فيما تضمنه من رفع الطعن في انتخاب النقيب من مائة عضو على الأقل، ممن حضروا الجمعية العمومية، مصدق على الإمضاءات الموقع بها على التقرير به من الجهة المختصة، مع إلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

 

العودة للصفحة الرئيسية